ما أن يقترب الموعد المحدد للانسحاب من العراق من قبل القوات الأمريكيَّة حتى تطفو على السطح الدعوات الأمريكيَّة والزيارات المكوكيَّة والاتفاقيات المعلنة والغير معلنة لبقاء القوات الأمريكيَّة المحتلة في العراق, وكالمعتاد فإن الحجج الأمريكية كثيرة منها عدم جاهزيَّة القوات العراقيَّة الأمنيَّة لحماية العراق والانقسام الطائفي وتزايد قوة المليشيات والصدام بين القوى السياسيَّة في العراق وبين أن ترمي بالكرة في ملعب الدول المجاورة، كالتدخل الإيراني على الساحة العراقيَّة وكأن أمريكا تحمي العراق من إيران، على عكس الحقيقة التي تؤكد أن أمريكا دعمت وتدعم التواجد الإيراني في العراق.
والسؤال هل ستوافق الحكومة العراقيَّة الهشَّة على تمديد بقاء القوات الأمريكيَّة أم سترفض ذلك؟
كما هو معروف أن تلك الحكومة لا تملك من أمرها شيئًا، وبالتالي فإن ما يعلن على لسان ممثليها بأنه لا يوجد ما يدعو إلى تمديد بقاء تلك القوات فهو غير صحيح؛ لأن المصادر الأمريكيَّة وبعض المصادر العراقيَّة أكَّدت أن ما تعلنه حكومة العراق من خلال وسائل الإعلام ليس هو طبقًا لما يتمّ الاتفاق عليه؛ فالخبر الذي نشرته "نيويورك تايمز" عن طلب المالكي سرًّا التمديد للقوات الأمريكية، يجدد الجدل حول أمد بقاء هذه القوات ودورها.
وردًّا على الخبر، أكد الوزير علي الدباغ، المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية أنه "لا يوجد اتفاق سري، ولا توجد في العراق اتفاقات سرية مع الأمريكان ولا غيرهم، وقال: "أنا أستبعد وجود قوات مقاتلة بعد 2011.
بدورها، عبَّرت النائبة عن الصدريين مها الدوري عن أنه لن يستطيع لا المالكي ولا غيره أن يمدد لهذه الاتفاقية، لأنها منتهية، ومجلس النواب لن يسمح باتفاقية جديدة.
في حين أكَّدت مصادر عراقيَّة أنه إذا تم الاتفاق على التمديد للقوات الأمريكيَّة فإن الأمر يرجع إلى قرار من مجلس الوزراء العراقي ولا يحتاج إلى تصويت البرلمان العراقي لأنه بروتوكول بين وزارتي دفاعِ دولتين ولا يحتاج البرلمان إلى تشريعِه، بحسب ما قال قانونيون دستوريون.
هذا ما يؤكد أن مسالة تمديد القوات الأمريكية في العراق قيد التنفيذ، وهو أمر أكدته مصادر سرية في العراق؛ حيث كشفت عن أن بغداد وواشنطن توصلتا إلى شبه اتفاق لتمديد بقاء القوات الأمريكية في العراق حتى نهاية عام 2016, وعن وجود نقاش مكثف بين الحكومتين العراقية والأمريكية بهذا الصدد للتوصل إلى عقد اتفاقية تكون بشكل عقد خاضع للقوانين المحلية من أجل الاستخدام المؤقت لقطع معينة من الأراضي العراقية من قبل سفارة الولايات المتحدة لغرض دعم البرامج الدبلوماسية المشتركة والتي تتضمن المساعدة العسكرية وتدريب الشرطة والتدريب القضائي ومشاريع التنمية الاقتصاديَّة.
وبينت المصادر أن الإدارة الأمريكيَّة اقترحت على الجانب العراقي "استخدام الأراضي وفقًا للقانون العراقي وموافقة وزارة الخارجيَّة على السماح لسفارة الولايات المتحدة باستخدام العقارات المبينة مع ملحقاتها على أساس الاستخدام بمقابل سنوي دعمًا لبعثة الولايات المتحدة في البلاد".
وأوضحت أن المذكرة حددت مواقع وجود القوات الأمريكيَّة بعد انتهاء الاتفاقية في مدن "البصرة في موقع القنصلية المؤقتة وموقع البصرة للطيران، أما في كركوك والموصل فيكون في موقع السفارة في هاتين المحافظتين، في حين سيكون تواجدهم ببغداد في منشأة تدريب الشرطة بالقرب من كلية الشرطة في بغداد ووزارة الداخلية وموقع بغداد للطيران داخل مطار بغداد ومنشأة دعم السفارة بالقرب من السفارة داخل المنطقة الدولية، وفي أربيل يتركز التواجد في منشأة دعم للقنصلية بالقرب من مطار أربيل وداخله.
وأشارت المذكرة إلى أن مدة استخدام الأراضي تنتهي "بتاريخ 31 ديسمبر عام 2016 ويمكن تمديد فترة الاستخدام بعد موافقة الطرفين على ذلك".
وأشارت المصادر إلى أن المذكرة تشير إلى أن وزارة الخارجيَّة العراقيَّة "تتعهَّد بأنها مخولة على نحو واف بتنفيذ ما ورد في هذه المذكرة والوفاء بالالتزامات الواردة فيها، وأن هذه المذكرة لا تتعارض مع حقوق وزارة الخارجيَّة أو أيَّة جهة حكوميَّة أخرى ومعالجة موضوع حقوق الأفراد وملكيتهم للعقارات إن وجدت.
وعلى نفس السياق كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن المهلة الخاصة ببقاء الجيش الأمريكي في العراق ستمتد إلى ما بعد هذا العام، مشيرة إلى إجماع كل من حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والمسئولين الأمريكيين وبشكلٍ سري على بقاء القوات إلى ما هو أبعد من المهلة المحدد لها نهاية العام الجاري.
وطرحت الصحيفة -حول ماهية الشروط اللازمة لبقاء هذه القوات والثمن الذي سيدفعه الأمريكيون الذين سيبقون إلى ما هو أبعد من المهلة.
وأشارت الصحيفة إلى أن أعداد القتلى في صفوف القوات الأمريكيَّة المقاتلة في ارتفاع، وهو نذيرٌ لما يمكن أن يقع إذا تَمَّ التوصل لاتفاق بشأن بقاء القوات في العراق بعد مهلة الانسحاب.
وأضافت أن الأمريكيين باستطاعتهم دفع القادة العراقيين من أجل شنّ حملة أكثر ضراوةً على الميليشيات في العراق، إلا أن ذلك قد يطرح تساؤلات أكثر حول حكومة عراقية ضعيفة ومقسمة.
وأوضحت أنه إذا لم تكن هناك عراقيل تمنع حدوث التوقعات، فإن العراقيين سيفضلون اتفاقًا بين الحكومتين من أجل مواصلة تواجد القوات دون تعقيدات سياسيَّة تتأتى من تقديم ذلك للبرلمان.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إنه من أجل جعل بقاء القوات أمرًا متقبلا بين أوساط المواطنين في العراق والولايات المتحدة فإن لعبة العلاقات العامة ستحدد اللغة التي ستكون مقبولة سياسيًّا، إلا أنها ستضفي غموضًا على حقيقة أن الجنود الأمريكيين سيواصلون مواجهة عدو وسيحتاجون إلى الدفاع عن أنفسهم وستستمر عملية سقوط قتلى في صفوفهم.
والحقيقة المرة أن أمريكا ما كانت لتقطع تلك المسافات وتحتل العراق لكي تغادره بعد ذلك أنما هي جاءت لتبني قواعد دائمة لها في العراق، وأنها غير عازمة أبدًا على تركه إلا تحت ضغوط كبيرة.